فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة الثانية: معنى الآية:

ويؤتي المال في عتق الرقاب، قال القفال: واختلف الناس في الرقاب المذكورين في آية الصدقات، فقال قائلون: إنه يدخل فيه من يشتريه فيعتقه، ومن يكون مكاتبها فيعينه على أداء كتابته، فهؤلاء أجازوا شراء الرقاب من الزكاة المفروضة، وقال قائلون: لا يجوز صرف الزكاة إلا في اعانة المكاتبين، فمن تأول هذه الآية على الزكاة المفروضة فحينئذ يبقى فيه ذلك الاختلاف، ومن حمل هذه الآية على غير الزكاة أجاز الأمرين فيها قطعًا، ومن الناس من حمل الآية على وجه ثالث وهو فداء الأسارى. اهـ.

.قال البقاعي:

قال الإمام أبو الحسن الحرالي في العروة: وجه إنزال هذا الحرف حمل الخلق على صدق التذلل لله سبحانه وتعالى إثر التطهير من رجزهم ليعود بذلك وصل ما انقطع وكشف ما انحجب وهو حرف العبادة المتلقاة بالإيمان المثابر عليها بسابق الخوف المبادر لها تشوقًا بصدق المحبة، فالعابد من ساقه الخوف إليها والعارف من قاده الحب لها وهو بناء ذو عمود وأركان وله حظيرة تحوطه، فأما عموده فافراد التذلل لله سبحانه وتعالى توحيدًا وطليعته آية ما كان نحو قوله سبحانه وتعالى: {اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا} [النساء: 36] طهرهم حرف الزجر من رجز عبادة إله آخر فأثبت لهم حرف الأمر التفريد حتى لا يشركوا معه في التذلل شيئًا أي شيء كان آخر، وهو أول ما أقام الله من بناء الدين ولم يفرض غيره نحو العشر من السنين في إنزال ما أنزل بمكة وسن مع فرضه الركن الأول وهو الصلاة، وبدئت بالوضوء عملًا من حذو تطهير القلب والنفس بحرف النهي وأعقب بالصلاة عملًا من حذو طهور القلب بالتوحيد بين يدي الرب سبحانه وتعالى، فالوضوء وجه عمل حرف الزجر والصلاة وجه عمل حرف الأمر، وسن على تأسيس بدار الحب لتبدو قوة الإيمان في مشهود ملازمة خدمة الأبدان. فكان أقواهم إيمانًا أكثرهم وأطولهم صلاة وقنوتًا، من أحب ملكًا خدمه ولازمه، ولا تخدم الملوك بالكسل والتهاون وإنما تخدم بالجهد والتذلل، فكانت الصلاة علم الإيمان تكثر بقوته وتقل بضعفه، لأنها لو فرضت لم يظهر فيها تفاوت قوة الإيمان وصدق الحق كما لا يظهر بعد فرضها إلا في النوافل، ولإجهاد النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وبدنه في ذلك أنزل عليه {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلًا ممن خلق الأرض والسماوات العلى الرحمن على العرش استوى} [طه: 2- 5]- إلى قوله: {الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى} [طه: 8] هذا التوحيد وإظهاره هو كان يومئذ المقصود الأول وذلك قبل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعمر موفي أربعين من عدد المؤمنين، فلما دخل الإسلام من لا يبعثه الحب والاستراحة على الصلاة بعد عشر أو نحوها فرضت الصلاة فاستوى في فرضها المحب والخائف، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم التطوع على ما كان أصلها، وذلك صبيحة ليلة الإسراء، وأول منزل هذا الحرف والله سبحانه وتعالى أعلم في فرض هذا الركن أو من أول منزله قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر} [الإسراء: 78] اختص لهم بها أوقات الرحمة وجنبهم به أوقات الفتنة ومنه جميع آي إقامة الصلاة وإتمامها.
الركن الآخر الصوم وهو إذلال النفس لله سبحانه وتعالى بإمساكها عن كل ما تشوف إليه من خاص أمرها نهارًا للمقتصر ودوامًا للمعتكف، وهو صلة بين العبد وبين نفسه ووصل لشتاته في ذاته، وأول ما أنزل هذا الركن من هذا الحرف بالمدينة بعد مدة من الهجرة وأول منزله {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} [البقرة: 183] وإنما فرض والله سبحانه وتعالى أعلم بالمدينة لأنهم لما آمنوا من عداوة الأمثال والأغيار وعام الفتنة بالمدينة عادت الفتنة خاصة في الأنفس بالتبسط في الشهوات وذلك لا يليق بالمؤمنين المؤثرين للدين على الدنيا، ثم أنزل الله سبحانه وتعالى إتمامه بقوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} [البقرة: 185] إلى ما يختص من الآي بأحكام الصيام. الركن الآخر الزكاة وهو كسر نفس الغني بما يؤخذ بأخذه منه من حق أصنافها إظهارًا لأن المشتغلين بالدين آثر عند الله سبحانه وتعالى من المقيمين على الأموال وليميز بها الذين آمنوا من المنافقين لتمكنهم من الرياء في العمود والركنين، ولم يشهد الله سبحانه وتعالى بالنفاق جهرًا أعظم من شهادته على مانع الزكاة، ومن منع زكاة المال عن الخلق كان كمن امتنع عن زكاة قُواه بالصلاة من الحق، فلذلك لا صلاة لمن لا زكاة له، وكما كانت الزكاة حبًا قبل فرضها كذلك كان الإنفاق لما زاد على الفضل عزمًا مشهورًا عندهم لا يعرفون غيره ولا يشعرون في الإسلام بسواه، فلما شمل الإسلام أخلاط وشحت النفوس فرضت الزكاة وعين أصنافها، وذلك بالمدينة حين اتسعت أموالهم وكثر خير الله عندهم وحي عم نفاق قوم بها أنفة من حط رئاستهم بتذلل الإسلام لله والنصفة بخلق الله وتبين فيها الخطاب مرة لأرباب الأموال بقوله تعالى: {وآتوا الزكاة} [البقرة: 43] لتكون لهم قربة إذا آتوها سماحًا ومرة للقائم بالأمر بقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 103] حين يؤنس من نفوسهم شح وشدد الله سبحانه وتعالى فيها الوعيد في القرآن جبرًا لضعف أصنافها ونسق لذلك جميع ما أنزل في بيان النفقات والصدقات بدارًا عن حب أو ائتمارًا عن خوف. الركن الآخر الحج وهو حشر الخلق من أقطار الأرض للوقوف بين يدي ربهم في خاتم منيتهم ومشارفة وفاتهم ليكون لهم أمنة من حشر ما بعد مماتهم، فكمل به بناء الدين وذلك في أواخر سني الهجرة ومن آخر المنزل بالمدينة، وأول خطابه {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97] بتنبيهه على أذان إبراهيم عليه الصلاة والسلام {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا} [الحج: 27] إلى ما أنزل في أمر الحج وأحكامه الحظيرة الحائط وهي الجهاد، ولم تزل مصاحبة الأركان كلها إما مع ضعف كما بمكة أو مع قوة كما في المدينة، ومن أول تصريح منزله {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} [الحج: 39] إلى قوله: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة} [التوبة: 36] {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} [التوبة: 123] إلى قوله: {جاهد الكفار والمنافقين} [التوبة: 73] إلى انتهاء قتال أهل الكتاب في قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} [التوبة: 29] الآية إلى تمام المنزل في شأنه في قوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} [الأنفال: 39] وهذا تمام حرف الأمر؛ ولكل في ذلك الظاهر في الإسلام موقع حدوده في الإيمان وموقع في الإحسان لدى ثلاثتها الذي هو كمال الدين كله، ذلك من تنزل القرآن من بين إفصاح وإفهام في هذا الحرف، وهو وفاء الدين والتعبد لله رب العالمين. ثم قال فيما به تحصل قراءة حرف الأمر: اعلم أن الوفاء بقراءة حرف النهي تمامًا يفرغ لقراءة حرف الأمر، لأن المقتنع في معاش الدنيا يتيسر له التوسع في عمل الأخرى، والمتوسع في متاع الدنيا لا يمكنه التوسع في عمل الأخرى لما بينهما من التضار والتضاد، والذي تحصل به قراءة هذا الحرف أما من جهة القلب فالتوحيد والإخلاص، وأعم ذلك البراءة من الشرك العظيم لئلا يتخذ مع الله إلهًا آخر، لأن المشرك في الإلهية لا تصح منه المعاملة بالعبادة {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء} [إبراهيم: 18] وأخص منه الإخلاص بالبراءة من الشرك الجلي بأن لا يرى لله سبحانه وتعالى شريكًا في شيء من أسمائه الظاهرة، لأن المشرك في سائر أسمائه الظاهرة لا يصح له القبول، والذي يحلف به عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه: لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبًا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر، ولكل عمل من المأمورات خصوص اسم في الإخلاص كإخلاص المنفق بأن الإنعام من الله سبحانه وتعالى لا من العبد المنفق، وكإخلاص المجاهد بأن النصر من الله سبحانه وتعالى لا من العبد المجاهد {وما النصر إلاّ من عند الله} [آل عمران: 126 والأنفال: 10] وكذلك سائر الأعمال يخصها الإخلاص في اسم من الأسماء يكون أملك بذلك العمل، وأما من جهة أحوال النفس فأولها وأساسها طمأنينة النفس بربها في قوامها من غير طمأنينة لشيء سواه، فمتى اطمأنت النفس بما تقدر عليه وما لها من منة أو بما تملكه من مملوك أو بما تستند إليه من غير رُدت جميع عباداتها لما اطمأنت إليه وكتب اسمها على وجهه وكانت أمته لا أمة ربها وكان المرء عبده لا عبد ربه «تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة» وهذا هو الذي أحبط عمل العاملين من حيث لا يشعرون، وأما من جهة ما يخص كل واحد من الأوامر في أحوال النفس فما يناسبه من أحوالها وأخلاقها كاجتماعها في الصلاة بأن لا تصغي لوسواس الشيطان وأن لا تتحدث في تسويلها، وكسماحها وسخائها في الإنفاق وإيتاء الزكاة، وكصبرها في الصوم والصوم الصبر كلّه، ويصحبها كل ذلك في الحج مع زيادة اليقين، ويصحبها الجميع في الجهاد مع غريزة الشجاعة، هذا من جهة حال النفس.
وأما من جهة العمل وأحوال الجوارح فإن أدب الناطق بكلمة الشهادة أن يجمع حواسه إلى قلبه ويحضر في قلبه كل جارحة فيه وينطق بلسانه عن جميع ذاته أحوال نفس وجوارح بدن حتى يأخذ كل عضو منه وكل جارحة فيه وكل حال لنفسه قسطه منها كما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم واعلم أن بذلك «تتحات عنه الذنوب كما يتحات الورق عن الشجر» فلم يقرأ تهليل القرآن من لم يكن ذلك حاله فيه وكذلك في تشهد الأذان، وبذلك يهدم التهليل سيئاته في الإسلام كما هدم من المخلص به جرائم الكفران، سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يؤذن فلما قال: الله أكبر الله أكبر، قال: «على الفطرة»، فلما قال: لا إله إلاّ الله، قال: «خرجت من النار» وأما أدب الصلاة فخشوع الجوارح والهدو في الأركان وإتمام كل ركن بأذكاره المخصوصة به وجمع الحواس إلى القلب كحاله في الشهادة حتى لا يحقق مدرك حاسة غفلة، وأما أدب الإنفاق فحسن المناولة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يناول السائل بيده ولا يكله إلى غيره الإسرار أتم {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} [البقرة: 271] وينفق من كل شيء بحسب ما رزقه مياومة أو مشاهرة أو مسانهة {ومما رزقناهم ينفقون} [البقرة: 3] وأما أدب الصوم فالسحور مؤخرًا والفطر معجلًا، وصوم الأعضاء كلها عن العدل فأحرى عن الجور وترك العناية بما يفطر عليه إلى ما بعد الزوال والأخذ فيه لشهوة العيال؛ وأما أدب الحج فاستطابة الزاد والاعتماد على ما بيد الله لا على حاصل ما بيد العبد، وهو تزود التقوى والرفع مع الرفيق والرفق بالظهر وتحسين الأخلاق والإنفاق في الهدي وهو الثج والإعلان بالتلبية وهو العج، وتتبع أركانه على ما تقتضيه أحكامه وإقامة شعائره على معلوم السنة لا على معهود العادة، وأما أدب الجهاد فاستطابة الزاد وإصلاح العدة ومياسرة الخلطاء وحسن القيام على الخيل وتطييب علفها تصفية وورعًا وتناوله بيده كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناول علف فرسه بيده ويمسحه بردائه والتزام ما يجد معه المنة من أن يكون فارسًا أو راجلًا أو رامحًا أو نابلًا، من تكلف غير ما يجد منته فقد ضيع الحق وعمل بالتكليف، والصمت عند اللقاء وغض البصر عن النظر إلى الأعداء، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أكثبوكم فارموهم ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم»، وكف اليد عما للغير فيه حق وهو الغلول، وأن لا يدعوا للبراز وأن يجيب إذا دعي وقال صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عزّ وجلّ: عبدي كل عبدي الذي يذكر الله وهو ملاق قرنه» ولكل أمر وتلبس بمأمور أدب يخصه على ما يستقرأ من السنن النبوية وآثار الخلفاء وصالحي الأمراء فبهذه الأمور من إخلاص القلب وطيب النفس وأدب الجوارح، فيصح قراءة حرف الأمر ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم. انتهى.

.قال الألوسي:

{والموفون بِعَهْدِهِمْ إِذَا عاهدوا} عطف على {مَنْ ءامَنَ} ولم يقل وأوفى كما قبله إشارة إلى وجوب استقرار الوفاء، وقيل: رمزًا إلى أنه أمر مقصود بالذات، وقيل: إيذانًا بمغايرته لما سبق فإنه من حقوق الله تعالى والسابق من حقوق الناس، وعلى هذا فالمراد بالعهد ما لا يحلل حرامًا ولا يحرم حلالًا من العهود الجارية فيما بين الناس، والظاهر حمل العهد على ما يشمل حقوق الحق وحقوق الخلق، وحذف المعمول يؤذن بذلك، والتقييد بالظرف للإشارة إلى أنه لا يتأخر إيفاؤهم بالعهد عن وقت المعاهدة، وقيل: للإشارة إلى عدم كون العهد من ضروريات الدين وليس للتأكيد كما قيل: به. اهـ.
قال الألوسي:
{والصابرين في البأساء والضراء} نصب على المدح بتقدير أخص أو أمدح وغير سبكه عما قبله تنبيها على فضيلة الصبر ومزيته على سائر الأعمال حتى كأنه ليس من جنس الأول، ومجيء القطع في العطف مما أثبته الأئمة الأعلام ووقع في الكتاب أيضًا واستحسنه الأجلة وجعلوه أبلغ من الاتباع وقد جاء في النكرة أيضًا كقول الهذلي:
ويأوي إلى نسوة عطل ** وشعثا مراضيع مثل السعالى

أما قوله: {فِي البأساء} قال ابن عباس: يريد الفقر، وهو اسم من البؤس {والضراء} قال: يريد به المرض، وهما اسمان على فعلاء ولا أفعل لهما، لأنهما ليسا بنعتين {وَحِينَ البأس} قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد القتال في سبيل الله والجهاد، ومعنى البأس في اللغة الشدة يقال: لا بأس عليك في هذا، أي لا شدة {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: 165] شديد ثم تسمى الحرب بأسًا لما فيها من الشدة والعذاب يسمى بأسًا لشدته قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} [غافر: 84] {فَلَمَّا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا} [الأنبياء: 12] {فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله} [غافر: 29].
ثم قال تعالى: {أُولَئِكَ الذين صَدَقُوا} أي أهل هذه الأوصاف هم الذين صدقوا في إيمانهم، وذكر الواحدي رحمه الله في آخر هذه الآية مسألة وهي أنه قال هذه الواوات في الأوصاف في هذه الآية للجمع، فمن شرائط البر وتمام شرط البار أن تجتمع فيه هذه الأوصاف، ومن قام به واحد منها لم يستحق الوصف بالبر، فلا ينبغي أن يظن الإنسان أن الموفي بعهده من جملة من قام بالبر وكذا الصابر في البأساء بل لا يكون قائمًا بالبر، إلا عند استجماع هذه الخصال، ولذلك قال بعضهم: هذه الصفة خاصة للأنبياء عليهم السلام، لأن غيرهم لا تجتمع فيه هذه الأوصاف كلها، وقال آخرون: هذه عامة في جميع المؤمنين، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت. اهـ.
قال الألوسي:
{وَحِينَ البأس} أي وقت القتال وجهاد العدو وهذا من باب الترقي في الصبر من الشديد إلى الأشد لأن الصبر على المرض فوق الصبر على الفقر والصبر على القتال فوق الصبر على المرض، وعدى الصبر على الأولين بفي لأنه لا يعد الإنسان من الممدوحين إذا صبر على شيء من ذلك إلا إذا صار الفقر والمرض كالظرف له وأما إذا أصاباه وقتًا مّا وصبر فليس فيه مدح كثير إذ أكثر الناس كذلك وأتى بحين في الأخير لأن القتال حالة لا تكاد تدوم في أغلب الأوقات. اهـ.
قال الألوسي:
{أُولَئِكَ الذين صَدَقُوا} في إيمانهم أو طلب البر. {وَأُولَئِكَ هُمُ المتقون} عذاب الله تعالى بتجنب معاصيه وامتثال أوامره، وأتى بخبر أولئك الأولى: موصولًا بفعل ماض إيذانًا بتحقق اتصافهم به وإن ذلك قد وقع منهم واستقر، وغاير في خبر الثانية: ليدل على أن ذلك ليس بمتجدد بل صار كالسجية لهم، وأيضًا لو أتى به على طبق سابقه لما حسن وقوعه فاصلة. اهـ.